حديث العيد... كل عام وأنتم بخير
نايف ذوابه
هذا موسم العيد موسم الفرح والغبطة بعد طاعة ... موسم صفاء الفطرة ونقاء السريرة وتصافح القلوب بالإغضاء عن إساءاتهم وتجاوز هفواتهم لتعود وشائج المحبة شعارا ودثارا لعلاقة المسلم بأخيه المسلم ..
يحتفل المسلمون هذه الأيام في مشارق الأرض ومغاربها بيوم توج طاعتهم والفرح بغفران الله لهم بعد أن أنابوا وأخبتوا صياماً وقياماً وتلاوة، فما برحت السكينة نفوسهم في هذا الشهر بعد أن صلت عليهم الملائكة في قيامهم وذكرهم فحان لهم أن يفرحوا وقد باهى الله بهم ملائكته فيقول:
يا ملائكتي: عبيدي وإمائي قضوا فريضتي عليهم، ثم خرجوا يعجون إلى الدعاء، وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم فيقول: ارجعوا فقد غفرت لكم، وبدلت سيئاتكم حسنات، فقال: فيرجعون مغفوراً لهم...
هذه فرحة العيد وهذه نسماته الطيبة على قلوب المؤمنين ... فكل من صلى وصام وقام احتساباً لوجه الله هو أهل لأن يُتلقَّى في هذه المناسبة العطرة بالتهنئة والبشرى، وذلك بفضل الله ورحمته..
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا مسلمين على ملة نبينا إبراهيم عليه السلام ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم –
(...هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)
هذه نسكنا وهذه مشاعرنا وهذا هدينا أهل الإسلام، لا نحيد عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ... لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تساهل .. فإبداء الفرح والسرور مندوب في هذه الأيام وهو من شعائر الإسلام ... فلنفرح ولنشع الفرح في أجوائنا وفضائنا ولا غرو فهذا يوم الجائزة ..
هذا عيدنا نحن أهل الإسلام ...عيد رضا الرب ومغفرته لعباده بعد أن باهى بهم ملائكته.. عيد الصلة والرحمة والإحسان والاطمئنان على أحوال فقراء المسلمين ومساكينهم بإغنائهم في هذا اليوم بصدقة الفطر، وفي زكوات الأموال التي يتحرى المسلمون أن يخرجوها في هذا الشهر ..
وفي غمرة هذا الفرح يجب على المسلم ألاّ يفسد يوم عيده بالمعاصي والملاهي، وألا يغفل عن الذكر والدعاء، بل بجب الإكثار من الذكر والدعاء، يفرح ولا ببطر ويِأشر... يفرح من غير اغتيال للإيمان وحرمات الله بالاستهانة في اختلاط الرجال بالنساء والشباب بالفتيات من الأقرباء أو الأبعداء، ولا يجوز التسامح في ذلك بذريعة العيد وأجواء الفرح بالعيد...
والزينة بعدُ مندوبة فعلى المسلم أن يجتهد في الزينة والتطيب لهذه المناسبة، وأن يلبس الجديد ويلبس أبناءه ويوسع على عياله في هذه الأيام المباركة....
عن أنس رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس بردة حبرة في كل عيد".
وعن أنس رضي الله عنه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى".
وروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنّيان بدفّين بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وتسجّى بثوبه، وحوّل وجهه إلى الجدار، وجاء أبو بكر فانتهرهما، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكشف النبي وجهه، وأقبل على أبي بكر، وقال: دَعْهما يا أبا بكر، إن لكل قومٍ عيداً وهذا عيدنا".
ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعله الحبشة، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم، فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم، ثم قال لعائشة: "يا حُمَيْراء، أتحبين أن تنظري إليهم، قالت: نعم، فأقامها - صلى الله عليه وسلم - وراءه خدُّها على خده يسترها، وهي تنظر إليهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغريهم، ويقول: دونكم يا بني أرفدة، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بالحنيفية السمحة" .
فهذه مشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تُقام بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقرها ويحتفي بها.
ومن سنن العيد ما رواه جابر رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) أي أنه يذهب إلى صلاة العيد من طريق ويعود إلى بيته من طريق آخر، وذلك لتكثر الخطوات، ويكثر مَن يشاهده من الملائكة.
والله يباهي ملائكته بعباده الذين أطاعوه وأخلصوا العبادة له...
و من السنة أن يسرع المسلم إلى الإفطار قبل الخروج إلى الصلاة .
فعن أنس رضي الله عنه قال:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً).
وعلى المسلم أن يكبر صبيحة العيد.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان إذا غدا إلى المصلى كبّر فرفع صوته بالتكبير، وفي رواية كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبّر حتى يأتي المصلى، ثم يكبّر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير.
أيها الإخوة والأخوات
ولنتذكر في العيد إخواناً لنا محرومين ومضطهدين أفسد أعداء الله عليهم فرحتهم بالعيد واغتال الفرح من عيون أطفالهم... وآخرين في السجون سجون الأسر تحت سلطان الكفار وسجون الظلم والطغاة، ومن هؤلاء الدعاة إلى الله الذين يعملون لإعادة سلطان الإسلام إلى الأرض، ويعملون من أجل استئناف الحياة الإسلامية، فهؤلاء وهؤلاء لا تنسوهم من الدعاء أن يفرّج الله كربهم، وأن يجمع شملهم بأسرهم ..
كذلك لا تنسوا أسرهم من الرعاية الأخوية لإدخال البهجة إلى قلوب أبنائهم وتسكين جراحهم وقضاء حوائجهم...
وكل عام وأنتم بألف خير...
كل عام وأمة الإسلام العظيمة بخير...
كل عام وديار الإسلام بخير...
وكل عام وديار الإسلام دار إسلام لا دار كفر ..
تنعم بسلطان الإسلام، ويحميها جيش دولة الإسلام...
ولا تحيط بها جيوش الكفر، ولا يرتفع للكفر فيها راية..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون...
تقبل الله منا ومنكم الطاعات وصالح الأعمال.